قبل نحو 80 عاماً، قطعت زينايدا كورنيفا 2250 كيلومتراً من ستالينغراد إلى بريلن، كجندية مختصة في المدفعية المضادة للطائرات، ضمن الجيش السوفييتي، وهي تقاتل في الطريق إلى هناك. اليوم، وهي تشارف عيد ميلادها المئوي، تُعد واحدة من قدماء المحاربين الباقين على قيدا الحياة والذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية. وهي تشعر بنداء الواجب من جديد.
ابنة كورنيفا وحفيدتها، وكلتاهما طبيبتان في سانت بيترسبورج، أخبرتاها عن التحديات الكبيرة التي تواجههما في المعركة ضد وباء فيروس كورونا، مثل ساعات العمل الطويلة والمرهقة ونقص المعدات الأساسية ومعدات الحماية والخطر الدائم للإصابة بالعدوى.
وهكذا، وبمساعدة من شباب في أسرتها الممتدة، أنشأت كورنيفا قناة على «يوتيوب» وبدأت تروي ذكرياتها عن الحرب من أجل جمع تبرعات مالية لمساعدة أسر نحو 10 عاملين في القطاع الطبي، تصفهم بأنهم جنود «على الخط الأمامي هذه المرة». وتقول إن صديقاً بريطانياً، هو النقيب توم مور، أحد قدماء المحاربين الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية، هو الذي ألهمها وشجعها من خلال جمع قرابة 40 مليون دولار لفائدة «نظام الصحة الوطني» البريطاني عبر المشي حول ساحة منزله الخلفية.
ومنذ ذلك الحين تمكنت قناتها على يوتيوب من جذب نحو 14 ألف مشترك، بينما جمعت صفحتها المخصصة للتبرعات أكثر من 4 ملايين روبل (أي ما يعادل نحو 60 ألف دولار). وهذا مبلغ يكفي لمساعدة أكثر من 100 أسرة، حسب تقديراتها. وتقول: «إننا جميعاً في مركب واحد، تماماً مثلما كنا إبان الحرب»، مضيفةً: «وقتئذ كنا نستطيع رؤية عدونا وكنا نعرف كيف نتعامل معه. أما اليوم فعدوُّنا غير مرئي، وليس ثمة لقاح. العلماء عبر العالم كله يتسابقون من أجل تطويره، بينما يكافح الأطباء من أجل الحفاظ على الأرواح. وما يجب فعله على كل واحد منا هو إيجاد طريقة لمساعدتهم ووقف موت الناس».
كورنيفا ليست الوحيدة في روسيا التي اتخذت من وباء فيروس كورونا دعوةً للتحرك. فالمئات من المبادرات الخاصة ظهرت خلال الأشهر القليلة الماضية، وبعضها تميز بالابتكار. وتراوحت أهداف تلك المبادرات بين سد النقص في نظام الصحة العامة، إلى الالتفاف على العراقيل البيروقراطية، إلى مجرد المساعدة على تخفيف محن الأشخاص المستضعفين العالقين في الحجر الصحي. كما غيّرت الكثير من المنظمات الخيرية الحالية نشاطها بسرعة لمساعدة الخدمات الطبية العامة التي تتعرض لضغط شديد على تحسين وتسريع استجابتها للأزمة.
وتقول ماشا ليبمان، رئيسة تحرير «كاونتربوينت»، وهي دورية للشؤون الروسية تنشرها جامعة جورج واشنطن: «هذا الجانب من الحياة الاجتماعية في روسيا، جانب المنظمات الخيرية، جديد نسبياً ويتم تجاهله بشكل عام»، مضيفةً: «عندما حلت هذه الكارثة، فاجأت روسيا وباغتتها، مثلما فعلت مع معظم البلدان، وخلقت الكثير من التحديات الجديدة التي جاءت المبادرات الخاصة للمساعدة على مواجهتها».
الحكومة الروسية شجّعت إنشاء حركة تطوعية رسمية («نحن معا») التي تقوم بتنظيم الشركات والأفراد للمساعدة بخصوص أشياء مثل تخصيص أرقام هاتفية خاصة للإجابة عن كل الأسئلة المتعلقة بفيروس كورونا، وعرض استشارات قانونية مجانية، ومنشآت للعمل عن بُعد والتعلم عن بُعد. ولعل أحد أنجح خدماتها هو تنظيم جيوش من الشباب المتطوعين في معظمهم لمساعدة المسنين الذين يعزلون أنفسهم من خلال شراء الأدوية ومواد البقالة لهم وتوصيلها، والمساعدة في مهمات ضرورية أخرى.
أنجلينا فيتوز، محامية مشهورة في موسكو، تعرض خدماتها مجاناً على الأطباء الذين لا يستطيعون توفير المال عندما يصابون بالمرض، أو يجدون صعوبة في تلقي علاوات الخطر الموعودة وأجور العمل الإضافي.. وتقول: «أريد فقط مساعدة الأطباء».
أليونا دوليتسكايا، رئيسة التحرير السابقة للنسخة الروسية من مجلة «فوغ» والمؤلفة غزيرة الإنتاج والشخصية التلفزيونية، واحدة من مشاهير روس كثيرين ابتكروا طرقاً خاصة للمساعدة. لقد باعت نسخاً موقعة من أحدث كتبها، وجمعت نحو 35 ألف دولار، وتقول: «إنني ابنة طبيبين. لقد ربياني، وتعلمت أن أرى العالم من خلال أعينهما»، لتضيف: «أعرف أن الجميع يعاني في هذه الأزمة، ولكن الأطباء لديهم بواعث قلق خاصة».
ويقول خبراء إن هناك ما لا يحصى من المبادرات الفردية والجماعية أخذت تظهر عبر البلاد، وإن الحكومة أخذت تتعود على الترحيب بها، وهناك احتمال حقيقي لأن تترك تغييرات دائمةً في الحياة الاجتماعية الروسية بعد مرور الأزمة. وربما تكون بعض تلك التغييرات كونية.
وتقول كورنيفا: «آمل أن يصبح العالم مكاناً مختلفاً بعد هذه الأزمة»، مضيفةً: «إنني أريد أن تدرك البلدان أن العمل معاً من أجل حل المشاكل هو السبيل الوحيد الممكن. آمل ألا يفكر أحد أبداً في الحرب من جديد!».
*صحافي كندي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»